فصل: تفسير الآيات (16- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (12- 15):

{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)}
الضمير في قوله: {ومن قبله} للقرآن، و: {كتاب موسى} هو التوراة. وقرأ الكلبي: {كتابَ موسى} بنصب الباء على إضمار أنزل الله أو نحو ذلك. والإمام: خيط البناء، وكل ما يهتدي ويقتدى به فهو إمام. ونصب {إماماً} على الحال، {ورحمة} عطف على إمام، والإشارة بقوله: {وهذا كتاب} إلى القرآن. و: {مصدق} معناه للتوراة التي تضمنت خبره وأمر محمد، فجاء هو مصدقاً لذلك الإخبار، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {مصدق لما بين يديه لساناً}، واختلف الناس في نصب قوله: {لساناً} فقالت فرقة من النحاة، هو منصوب على الحال، وقالت فرقة: {لساناً} توطئة مؤكدة. و: {عربياً} حال، وقالت فرقة: {لساناً} مفعول ب {مصدق}، والمراد على هذا القول باللسان: محمد رسول الله ولسانه، فكان القرآن بإعجازه وأحواله البارعة يصدق الذي جاء به، وهذا قول صحيح المعنى جيد وغيره مما قدمناه متجه.
وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير فيما روي عنه، وأبو جعفر والأعرج وشيبة وأبو رجاء والناس: {لتنذر} بالتاء، أي أنت يا محمد، ورجحها أبو حاتم، وقرأ الباقون والأعمش {لينذر} أي القرآن و: {الذين ظلموا} هم الكفار الذين جعلوا العبادة في غير موضعها في جهة الأصنام والأوثان.
وقوله: {وبشرى} يجوز أن تكون في موضع رفع عطفاً على قوله: {مصدق}، ويجوز أن تكون في موضع نصب، واقعة موقع فعل عطفاً على {لتنذر} أي وتبشر المحسنين، ولما عبر عن الكفار ب {الذين ظلموا}، عبر عن المؤمنين ب المحسنين لتناسب لفظ الإحسان في مقابلة الظلم. ثم أخبر تعالى عن حسن حال المسلمين المستقيمين ورفع الظلم. ثم أخبر تعالى عن حسن حال المسلمين المستقيمين ورفع عنهم الخوف والحزن، وذهب كثير من الناس إلى أن معنى الآية: {ثم استقاموا} بالطاعات والأعمال الصالحات. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه المعنى: {ثم استقاموا} بالدوام على الإيمان وترك الانحراف عنه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أعم رجاء وأوسع، وإن كان في الجملة المؤمنة من يعذب وينفذ عليه الوعيد، فهو ممن يخلد في الجنة وينتفي عنه الخوف والحزن الحال بالكفرة، والخوف هو الهم لما يستقبل، والحزن هو الهم بما مضى، وقد يستعمل فيما يستقبل استعارة، لأنه حزن لخوف أمر ما.
وقرأ ابن السميفع: {فلا خوفُ} دون تنوين.
وقوله: {جزاء بما كانوا يعملون}، ما واقعة على الجزء الذي هو اكتساب العبد، وقد جعل الله الأعمال أمارات على صبور العبد، لا أنها توجب على الله شيئاً.
وقوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه} يريد النوع، أي هكذا مضت شرائعي وكتبي لأنبيائي، فهي وصية من الله في عباده.
وقرأ جمهور القراء: {حُسْناً} بضم الحاء وسكون السين، ونصبه على تقدير وصيناه ليفعل أمراً ذا حسن، فكأن الفعل تسلط عليه مفعولاً ثانياً. وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن وعيسى: {حَسَناً} بفتح الحاء والسين، وهذا كالأول ومحتمل كونهما مصدرين كالبخل والبخل، ومحتمل، أن يكون هذا الثاني اسماً لا مصدراً، أي ألزمناه بهما فعلاً حسناً. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {إحساناً}، ونصب هذا على المصدر الصريح والمفعول الثاني في المجرور، والباء متعلقة ب {وصينا} أو بقوله: {إحساناً}.
وبر الوالدين واجب بهذه الآية وغيرها، وعقوقهما كبيرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل شيء بينه وبين الله حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ودعوة الوالدين.
قال القاضي أبو محمد:: ولن يدعوا إلا إذا ظلمهما الولد، فهذا الحديث في عموم قوله عليه السلام: «اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
ثم عدد تعالى على الأبناء منن الأمهات وذكر الأم في هذه الآيات في أربع مراتب، والأب في واحدة، جمعهما الذكر في قوله: {بوالديه}، ثم ذكر الحمل للأم ثم الوضع لها ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفصال، فهذا يناسب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر، والربع للأب، وذلك إذ قال له رجل: يا رسول الله من أبر؟ «قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: أباك» وقوله: {كرهاً} معناه في ثاني استمرار الحمل حين تتوقع حوادثه، ويحتمل أن يريد في وقت الحمل، إذ لا تدبير لها في حمله ولا تركه، وقال مجاهد والحسن وقتادة: المعنى حملته مشقة ووضعته مشقة.
وقرأ أكثر القراء: {كُرهاً} بضم الكاف. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة والأعرج: {كَرهاً} بفتح الكاف، وقرأ بهما معاً مجاهد وأبو رجاء وعيسى. قال أبو علي وغيره: هما بمعنى، الضم الاسم، والفتح المصدر. وقالت فرقة: الكره بالضم: المشقة، والكره بالفتح هو الغلبة والقهر، وضعفوا على هذا قراءة الفتح. قال بعضهم: لو كان كَرهاً لرمت به عن نفسها، إذ الكره القهر والغلبة، والقول الذي قدمناه أصوب.
وقرأ جمهور الناس: {وفصاله} وذلك أنها مفاعلة من اثنين، كأنه فاصل أمه وفاصلته. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري: {وفصله}، كأن الأم هي التي فصلته.
وقوله: {ثلاثون شهراً} يقتضي أن مدة الحمل والرضاع هذه المدة، لأن في القول حذف مضاف تقديره: ومدة حمله وفصاله، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصاً، وذلك إما بأن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين، وإما بأن تلد لتسعة على العرف وترضع عامين غير ربع العام، فإن زادت مدة الحمل نقصت مدة الرضاع، وبالعكس فيترتب من هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وأقل ما يرضع الطفل عام وتسعة أشهر، وإكمال العامين هو لمن أراد أن يتم الرضاعة، وهذا في أمر الحمل هو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة ومذهب مالك رحمه الله.
واختلف الناس في الأشد: فقال الشعبي وزيد بن أسلم: البلوغ إذا كتبت عليه السيئات وله الحسنات. وقال ابن إسحاق: ثمانية عشر عاماً، وقيل عشرون عاماً، وقال ابن عباس وقتادة: ثلاثة وثلاثون عاماً، وقال الجمهور من النظار: ثلاثة وثلاثون. وقال هلال بن يساف وغيره: أربعون، وأقوى الأقوال ستة وثلاثون، ومن قال بالأربعين قال في الآية إنه أكد وفسر الأشد بقوله: {وبلغ أربعين سنة}.
قال القاضي أبو محمد: وإنما ذكر تعالى الأربعين، لأنها حد للإنسان في فلاحه ونجابته، وفي الحديث: «إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب فيقول: بأبي وجه لا يفلح» وقال أيمن بن خريم الأسدي: [الطويل]
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكنْ ** له دون ما يأتي حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى ** وإن جر أسباب الحياة له العمر

وفي مصحف ابن مسعود: {حتى إذا استوى أشده وبلغ أربعين سنة} وقوله: {أوزعني} معناه: ادفعني عن الموانع وازجرني عن القواطع لأجل أن أشكر نعمتك، ويحتمل أن يكون {أوزعني} بمعنى اجعل حظي ونصيبي، وهذا من التوزيع والقوم الأوزاع، ومن قوله توزعوا المال، ف أن على هذا مفعول صريح. وقال ابن عباس {نعمتك} في التوحيد. و: {صالحاً ترضاه} الصلوات. والإصلاح في الذرية كونهم أهل طاعة وخيرية، وهذه الآية معناها أن هكذا ينبغي للإنسان أن يفعل، وهذه وصية الله للإنسان في كل الشرائع.
وقال الطبري: وذكر أن هذه الآية من أولها نزلت في شأن أبي بكر الصديق، ثم هي تتناول من بعده، وكان رضي الله عنه قد أسلم أبواه، فلذلك قال: {وعلى والدي}، وفي هذا القول اعتراض بأن هذه الآية نزلت بمكة لا خلاف في ذلك، وأبو قحافة أسلم عام الفتح فإنما يتجه هذا التأويل على أن أبا بكر كان يطمع بإيمان أبويه ويرى مخايل ذلك فيهما، فكانت هذه نعمة عليهما أن ليسا ممن عسا في الكفر ولج وحتم عليه ثم ظهر إيمانهما بعد، والقول بأنها عامة في نوع الإنسان لم يقصد بها أبو بكر ولا غيره أصح، وباقي الآية بين إلى قوله: {من المسلمين}.

.تفسير الآيات (16- 19):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}
قوله تعالى: {أولئك} دليل على أن الإشارة بقوله: {ووصينا الإنسان} [الأحقاف: 15] إنما أراد الجنس.
وقرأ جمهور القراء: {يُتَقبَّل} بالياء على بناء الفعل للمفعول وكذلك يُتجاوز. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم فيهما بالنون التي للعظمة نتقبل أحسنَ بالنصب ونتجاوز وهي قراءة طلحة وابن وثاب وابن جبير والأعمش بخلاف عنه. وقرأ الحسن {يَتقبل} بياء مفتوحة {ويَتجاوز} كذلك، أي الله تعالى وقوله: {في أصحاب الجنة} يريد الذين سبقت لهم رحمة الله. وقوله: {وعدَ الصدق} نصب على المصدر المؤكد لما قبله.
وقوله تعالى: {والذي قال لوالديه أف لكما} الآية، {الذي} يعنى به الجنس على حد العموم الذي في الآية التي قبلها في قوله: {ووصينا الإنسان} [الأحقاف: 15] وهذا قول الحسن وجماعة، ويشبه أن لها سبباً من رجل قال ذلك لأبويه. فلما فرغ من ذكر الموفق عقب بذكر هذا العاق. وقال ابن عباس في كتاب الطبري: هذه الآية نزلت في ابن لأبي بكر ولم يسمِّه.
وقال مروان بن الحكم: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقاله قتادة، وذلك أنه كان أكبر ولد أبي بكر وشهد بدراً وأحداً مع الكفار، وقال لأبيه في الحرب:
لم يبق إلا شكة ويعبوب ** وصارم يقتل ضلال الشيب

ودعاه إلى المبارزة فكان بمكة على نحو هذه الخلق، فقيل إن هذه الآية نزلت فيه. وروي أن مروان بن الحكم خطب وهو أمير المدينة فدعا الناس إلى بيعة يزيد، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: جعلتموها هرقلية، كلما مات هرقل ولي هرقل، وكلما مات قيصر ولي قيصر، فقال مروان بن الحكم: خذوه، فدخل عبد الرحمن بيت عائشة أخته أم المؤمنين، فقال مروان: إن هذا هو الذي قال الله فيه: {والذي قال لوالديه أف لكما} فسمعته عائشة، فأنكرت ذلك عليه، وسبت مروان، وقالت له: والله ما نزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي، وإني لأعرف فيمن نزلت هذه الآية. وذكر ابن عبد البر أن الذي خطب هو معاوية، وذلك وهم، والأصوب أن تكون عامة في أهل هذه الصفات ولم يقصد بها عبد الرحمن ولا غيره من المؤمنين والدليل القاطع على ذلك قوله: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم} وكان عبد الرحمن رحمه الله من أفضل الصحابة ومن الأبطال، وممن له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وطلحة بن مصرف: {أفِّ} بكسر الفاء بغير تنوين، وذلك فيها علامة تعريف. وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن وشبل وعمرو بن عبيد: {أفَّ} بالفتح، وهي لغة الكسر والفتح.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج: {أفٍّ} بالكسر والتنوين، وذلك علامة تنكير، وهي كصه وغاق، وكما تستطعم رجلاً حديثاً غير معين فتقول إيه منونة، فإن كان حديثاً مشاراً إليه قلت إيهِ بغير تنوين. و{أف}: أصلها في الأقذار، كانت العرب إذا رأت قذراً قالت: أف ثم صيره الاستعمال يقال في كل ما يكره من الأفعال والأقوال.
وقرأ هشام عن ابن عامر وعاصم وأبو عمرو: {أتعداني}، وقرأ أبو عمرو ونافع وشيبة والأعرج والحسن وأبو جعفر وقتادة وجمهور القراء {أتعدانني} بنونين، والقراءة الأولى هي بإدغام النون في النون. وقرأ نافع أيضاً وجماعة: {أتعدانيَ} بنون واحدة وإظهار الياء.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة وأبو رجاء وابن وثاب وجمهور الناس {أن أُخرَج} بضم الهمزة وفتح الراء. وقرأ الحسن وابن يعمر والأعمش وابن مصرف والضحاك. {أَن أَخرُج} بفتح الهمزة وضم الراء. والمعنى أن أخرج من القبر للحشر والمعاد، وهذا القول منه استفهام بمعنى الهزء والاستبعاد.
وقوله: {وقد خلت القرون من قبلي} معناه: هلكت ومضت ولم يخرج منهم أحد. وقوله: {وهما} يعني الوالدين، ويقال استغثت الله واسغثت بالله بمعنى واحد. و: {ويلك} دعاء يقال هنا لمن يحفز ويحرك لأمر ما يستعجل إليه.
وقرأ الأعرج {أن وعد الله} بفتح الهمزة، والناس على كسرها.
وقوله: {ما هذا إلا أساطير} أي ما هذا القول الذي يتضمن البعث من القبور إلا شيء قد سطره الأولون في كتبهم، يعني الشرائع، وظاهر ألفاظ هذه الآية أنها نزلت في مشار إليه قال وقيل له، فنعى الله أقواله تحذيراً من الوقوع في مثلها.
وقوله: {أولئك} ظاهره أنها إشارة إلى جنس يتضمنه قوله: {والذي قال}، ويحتمل إن كانت الآية في مشار إليه أن يكون قوله: {أولئك} بمعنى صنف هذا المذكور وجنسهم {الذين حق عليهم القول}، أي قول الله إنه يعذبهم.
وقوله: {قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} يقتضي أن {الجن} يموتون كما يموت البشر قرناً بعد قرن، وقد جاء حديث يقتضي ذلك. وقال الحسن بن أبي الحسن في بعض مجالسه: إن الجن لا يموتون، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت.
وقوله تعالى: {ولكل درجات} يعني المحسنين والمسيئين. قال ابن زيد: ودرجات المحسنين تذهب علواً، ودرجات المسيئين تذهب سفلاً.
وقرأ أبو عبد الرحمن: {ولتوفيهم} بالتاء من فوق، أي الدرجات. وقرأ جمهور الناس: {وليوفيهم} بالياء. وقرأ نافع بخلاف عنه، وأبو جعفر وشيبة والأعرج وطلحة والأعمش: {ولنوفيهم} بالنون: قال اللؤلؤي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود: {ولنوفينّهم} بنون أولى ونون ثانية مشددة، وكل امرئ يجني ثمرة عمله من خير أو شر ولا يظلم في مجازاته، بل يوضع كل أمر موضعه من ثواب أو عقاب.